منذ سنوات قام محمد سعد -عندما بدأ نجم شخصيته الأشهر اللمبي يسطع- في
الدخول إلى منطقة تقليد الممثل الأمريكي جيم كاري، خاصة بعد صعود نجم كاري
في فيلم القناع ثم سلسلة أفلام آس فنتورا مخبر الحيوانات، وكان كاري وقتها
يعتمد على الكوميديا الجسدية القائمة على مواقف السقوط والاصطدام بالأشياء،
وأداء حركات طريفة بمؤخرته وملامحه، ولكن كان اعتماد اللمبي الأساسي على
الإفيه اللفظي النابع من كونه مسطول، وعلى بعض الحركات بمؤخرته التي أصبحت
نمطية من فيلم لآخر.
ويأتي نضال الشافعي الذي قدم من قبل دور سيد في سيت كوم "تامر وشوقية" وقام
ببطولة فيلم الطريق الدائري الذي تم إنتاجه العام الماضي ليعيد نفس
المحاولة، ولكن مع الكثير من ملامح التقليد والمطابقة للدرجة التي من
الممكن أن نعتبرها تتجاوز المحاكاة إلى السرقة الفنية!
في عام 2000 قدم جيم كاري فيلمه "أنا ونفسي وآيرين" عن شخصية شاب طيب يعمل
كشرطي، لكنه مصاب بانفصام في الشخصية، يجعل لديه شخصية أخرى شريرة وقاسية،
تظهر أحيانا لتسبب له مشاكل اجتماعية وعاطفية كثيرة مع حبيبته، وهي "تيمة"
معروفة في السينما الأمريكية استخدمت عشرات المرات، وكان أشهرها فيلم "نادي
القتال" بطولة براد بيت ومشكلة فيلم "يا أنا يا هو" ليست في اقتباس
الفكرة؛ ولكن في سرقة المعالجة التي تعتمد على الكوميديا الجسدية والتي
اشتهر بها كاري، ليعيد نضال تقديمها بنفس الأداء والتصميم الحركي تقريبا،
خصوصا في مشاهد الصراع الداخلي ما بين الشخصيتين في الحمام أو في البار.
نحن أمام سعيد الحيوان، الصحفي الطيب إلى درجة السذاجة غير الطبيعية، التي
تحوله إلى إنسان مهان طوال الوقت من قبل الجميع، بما فيهم فتاة صغيرة تعيش
معه في المنزل، ولا ندري ما هي علاقتها به بالضبط، ولم يهتم السيناريو حتى
بإفهامنا صلة قرابتها به، هذا السعيد يحب جميلة "ريم البارودي" التي تعمل
في المتحف المصري كمرممة آثار، ولكنها تبدو من خلال ملابسها الضيقة القصيرة
وحديثها المفعم برقة شهوانية أشبه بمضيفة سياحية.
وفي المساء يتحول سعيد إلى شخص آخر، هو حازم رجل الليل والعصابات الشهير في
مجتمع الكباريهات، والذي يتناقض مع سعيد في كل شيء؛ بداية من تسريحة الشعر
وطريقة الملابس إلى الرقص وطبيعة علاقته الحسية مع فتاة أخرى تدعي جميلة
أيضا "نرمين ماهر".
هنا نشعر أن السيناريست أحمد حجازي قام بنقل هذا الخط الدرامي من رواية
الكاتب أحمد العايدي "أن تكون عباس العبد" التي صدرت منذ بضع سنوات، حيث
قدمت محاكاة ساخرة لرواية نادي القتال، واحتوت على شخصية تعاني من الفصام
تحب فتاتين تحملان نفس الاسم، إحداهما جريئة شهوانية والأخرى بنت ناس
وراقية للدلالة على الاختلاف العميق بين الشخصيتين التي تعيشان في جسد
واحد.
نضال "كاري"
لم يكتف السيناريو بنقل تيمة فيلم "أنا ونفسي"، ولكنه انتقل للاقتباس من
أفلام أخرى لجيم كاري مثل القناع في المشهد الذي يقرر فيه حازم الانتقام من
المكوجي وصاحب المطعم الصيني، تماما مثلما كان كاري يفعل عندما يرتدي
القناع؛ ففي مشهد المكوجي يقوم نضال بكي مؤخرة المكوجي الذي يشتمه دائما
بلفظ "يا حيوان"، رغم أن اسمه بالفعل سعيد الحيوان، ويذكرنا المشهد بمشهد
انتقام كاري من ميكانيكي السيارات الذي أفسد له سيارته في فيلم القناع،
عندما حشا مؤخرته بماسورة العادم.
ومشكلة التقليد الأعمى إنه يطغى على منطقية الدراما، فشخصية حازم تكره
شخصية سعيد وضعفها، بل وتشتمها هي الأخرى، وتترك لها رسائل على مرآة
الحمام، فلماذا عندما تسيطر على جسد سعيد تنتقم ممن يهينون سعيد؟ إنه مجرد
أن يحاكي الفيلم مواقف كوميدية دون النظر لمنطقيتها.
ورغم أن نضال أثبت أنه ممثل ذو إمكانيات حركية وجسدية جيدة، إلا أن التقليد
أفقده الكثير من بريق هذه الإمكانيات، خصوصا في مشاهد الصراع بين
الشخصيتين سعيد وحازم، فلم نشعر بأي جديد خصوصا مع تواضع رؤية المخرج تامر
بسيوني، واختلال الإيقاع المونتاجي وبطئه، حيث إن هذا النوع من المشاهد
المعتمدة على حركات عنيفة من الممثل يجب أن يضبط إيقاع الزمن بين اللقطات،
لتعطينا الانطباع بمدى عنف المواجهة بين شخصين في جسد واحد، وقد أفسد
المونتير الكثير من المشاهد التي كان يجب أن تعامل بشكل مختلف، مثل مشهد
تهجم حازم على جميلة وخالتها رجاء الجداوي في البيت، واشتباك رجاء الجداوي
معه، وهو مشهد أضاع طرافته المخرج بطبيعة أحجام الكادر التي صور بها
الاشتباك، والمونتير عندما قام بقطعات مونتاجية لم تشبع لقطات الضرب والصفع
وتكسير الأشياء على رأس الجداوي، فلم نعلم لماذا فقدت الوعي مثلا!
يا أنا يا هو تجربة هزيلة لن تفلح في وضع نضال في أي مكانه خاصة، لأنها
أهدرت طاقته التمثيلية، بل يمكن أن تفقده ثقة الجمهور بعد المستوى الجيد
الذي وصل له في أفلام مثل الجزيرة والديلر، رغم أنها أدوار ثانوية لكنها
كانت متقنة ومبتكرة.