علي حمود الحسن
لا اظن ان هنالك عاصمة في العالم تنافس بغداد في شرب الشاي بأستثناء
القاهرة ،فالشاي هو المشروب العراقي بامتياز ، يحتسيه العراقيون في البيت
والعمل والشارع ،في برد الشتاء وقيظ الصيف ،فلاعجب ان تنتشر المقاهي في كل
مكان وكذلك الاكشاك “السفري” التي تلاقيها حيثما تلتفت وفي اماكن غير
متوقعة ،وقد يتفنن اصحابها في جذب الزبائن ، فمنهم من طلى (كشكه) بالوان
صارخة مشعة ،الذي هو عبارة عن صندوق حديدي يحوي طباخا غازيا وعدة الشاي
وترتبط به منضدة صغيرة للتقديم ،بالوان صارخة مشعة ،<<واخرون وجدوا
في خط عبارات طريفة ومثيرة وسيلة اخرى للحصول على اكبر عدد من “المعاميل”من
قبيل “اشرب الشاي في درجة 55 مئوية وانتعش “ او “شاي مجرب لعلاج صداع
الكتل السياسية “ ، وخط اخر على جدار الكتل الكونكريتية التي اخفت “جنبره
“ عن الشارع العام عبارة “شاي ابو احمد مضاد لنكد الزوجات “، لكن صاحب
“جنبر”في منطقة “ارخيته “ بالكرادة وجد في تقديم عرض “اكروباتيكي”بـأقداح
الشاي،وسيلة ناجعة لكسب زبائن جدد،فهو يقدم الشاي بطريقة عجيبة ، فمثلا
يرفع “الاستكان “ فوق ظهره وبحركة صعبة لايجيدها الا هو يصب الشاي من
“القوري “وسط ذهول المتجمهرين واعجابهم ،او “يسنتر ألاستكان “على طرف ملعقة
الشاي الصغيرة الذي لايتجاوز (2) سنتمتر،احيانا يفاجأ زبائنه بصب الشاي في
القدح بعد ان يرفع ركبته بمستوى خصره ، فينفعل المحتشدون حوله مضاعفين
الطلبات.
لايكتفي منبر الفنان بذلك ،فهو لايريد ان يكرر حركاته فيثير الملل في نفوس
الزبائن ،انما يفاجئهم باصدار اصوات لايمكن ان يصدق انها ناتجة عن تحريك
“الاستكان والصحن”بخفة و وبراعة ،ويقول “ انا استطيع تقليد صوت الرشاش
،وكم من شارب شاي فز مرعوبا معتقدا انه يسمع صوت رشاش حقيقي وليس طقطقة
أستكان ،كذلك اقلد رنة التلفون ،واصوات البلابل “
اطلق عليه زبائنه “منير فيكات”واخرون اسموه “الحاوي”والفنان ، لكنه يرى في
ذلك قيمة تعويضية عن حلم حالت دون تحقيقه ظروف المعيشة ،فهو يطمح لدراسة
الفن لاسيما ان معظم زبائنه من الفنانين والمثقفين ، ويعتقد منير :
(انا اجد في العرض الذي اقدمه على مدار ساعات عملي الذي يبدأ من الصباح
وينتهي في وقت متأخر من الليل ،متعة وفرصة فريدة للفت انتباه الناس لا
مكاناتي الفنية ،وفي الوقت نفسه اكسب مزيد من “المعاميل”الذين يأتون بشكل
خاص من اماكن بعيدة للتمتع ب”فيكاتي”التي اقدمها على مدار ساعات عملي ،عل
منتجا اومخرجا يكتشفني، بالرغم من شهرتي في بغداد عموما والكرادة خصوصا )
حكايا المدن واساطيرها وروحها المتفردة ،لايصنعها الطغاة او الفاتحون او
اصحاب النظريات الكلية ،انما ناسها البسطاء ويوميات افعالهم ،مثلما يقول
ماركو ابولو مؤرخ المدن وشمام عطرها ،فالمدن مثل النساء لكل عطرها الخاص .