عن سعيد بن الحارث أنه سأل جابرا رضي الله عنه عن الوضوء مما مست النار فقال لا قد كنا زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نجد مثل ذلك الطعام إلا قليلا فإذا نحن وجدناه لم يكن لنا مناديل إلا أكفنا وسواعدنا وأقدامنا ثم نصلي ولا نتوضأ رواه البخاري
الشرح
هذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف رحمه الله في ( كتاب آداب الطعام ) تضمنت مسائل متعددة المسألة الأولي : أنه ينبغي للإنسان أن يأكل بثلاثة أصابع الواسطى والسبابة والإبهام لأن ذلك أدل على عدم الشره وأدل على التواضع ولكن هذا في الطعام الذي يكفي فيه ثلاثة أصابع أما الطعام الذي لا يكفى فيه ثلاثة أصابع مثل الأرز فلا بأس بأن تأكل بأكثر لكن الشيء الذي تكفى فيه الأصابع الثلاثة يقتصر عليها فإن هذا سنة النبي صلى الله عليه وسلم المسألة الثانية : أنه ينبغي للإنسان إذا انتهى من الطعام أن يلعق أصابعه قبل أن يمسحها بالمنديل كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم يلعقها هو أو يلعقها غيره أما كونه هو يلعقها فالأمر ظاهر وكونه يلعقها غيره هذا أيضا ممكن فإنه إذا كانت المحبة بين الرجل وزوجته محبة قوية يسهل عليه جدا أن تلعق أصابعه أو أن يلعق أصابعها فهذا ممكن وقول بعض الناس : إن هذا لا يمكن أن يقوله النبي عليه الصلاة والسلام لأنه كيف يلعق الإنسان أصابع غيره ؟ نقول إن النبي عليه الصلاة والسلام لا يقول إلا حقا ولا يمكن أن يقول شيئا لا يمكن فالأمر في هذا ممكن جدا وكذلك الأولاد الصغار أحيانا الإنسان يحبهم ويلعق أصابعهم بعد الطعام هذا شيء ممكن فالسنة أن تلعقها أو تلعقها غيرك والأمر الحمد لله واسع ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم فليلعقها غيره حتى نقول هذا إجبارا للناس على شيء يشق عليهم العقها أنت أو ألعقها غيرك وقال النبي عليه الصلاة والسلام إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة قد يكون البركة ونفع الطعام الكثير بهذا الجزء الذي تلعقه من أصابعك حتى إنه ذكر لي بعض الناس عن بعض الأطباء أن الأنامل بإذن الله تفرز إفرازات عند الطعام تعين على هضم الطعام في المعدة وهذه من الحكمة ولكننا نفعلها سنة إن حصلت لنا هذه الفائدة الطيبة حصلت وإن لم تحصل فلا يهمنا الذي يهمنا امتثال أمر النبي عليه الصلاة والسلام المسألة الثالثة : أنه ينبغي للإنسان أن يلعق الصحن أو القدر أو الإناء الذي فيه الطعام إذا انتهيت فالحس حافته كما أمر بهذا النبي عليه الصلاة والسلام فإنك لا تدري في أي طعامك البركة ومع الأسف أن الناس يتفرقون عن الطعام بدون تنفيذ هذه السنة فتجد حافات الآنية عليها الطعام كما هي والسبب في هذا الجهل بالسنة ولو أن طلبة العلم إذا أكلوا مع العامة وجهوهم إلى هذه السنة وغيرها من سنن الأكل والشرب لانتشرت هذه السنن لكن نسأل الله أن يعاملنا بعفوه فنحن نتجاوز كثيرا ونتهاون في الأمر وهذا خلاف الدعوة إلى الحق المسألة الرابعة : أن الإنسان إذا سقطت منه اللقمة فلا يتركها بل يأخذها وإذا كان فيها أذى يمسحه لا يأكل الأذى لأن الإنسان ليس مجبرا أن يأكل شيئا لا يشتهيه يمسح الأذى كأن يكون فيها عود أو تراب أو ما أشبه ذلك امسحه ثم كلها لماذا ؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ولا يدعها للشيطان لأن الشيطان يحضر ابن آدم في كل شئونه إن أراد أن يأكل حضره وإن أراد أن يشرب حضره وإن أراد أن يأتي أهله حضره حتى يشاركه كما في الآية الكريمة وشاركهم في الأموال والأولاد فهو يشارك أهل الغفلة فإذا قلت وأنت تأكل : بسم الله منعته من الأكل ، ما يقدر على الكل معك وقد سميت على الطعام أبدا إذا لم تقل بسم الله # أكل معك فإذا قلت : الله بسم فإن الشيطان يترقب اللقمة إذا سقطت بالأرض فإن رفعتها أنت فهي لك وإن تركتها أكلها هو فصار إذا لم يشاركك في الطعام شاركك فيما يسقط من الطعام ولهذا فضيق عليه في ذلك أيضا فإذا سقطت اللقمة أو التمرة أو ما أشبه ذلك في الأرض فخذها وإذا كان علق بها أذى من تراب أو عيدان أو ما أشبه ذلك فأزل ذلك الأذى ثم كلها ولا تدعها للشيطان المسألة الخامسة : الوضوء من الطعام المطبوخ الذي مسته النار كالخبز والأرز والجريش وغيرها هل يتوضأ الإنسان إذا أكله أم لا ؟ قال بعض العلماء إنه يجب على من أكل شيئا مطبوخا على النار أن يتوضأ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالضوء مما مست النار ولكن الصحيح أنه لا يجب كما في حديث جابر في صحيح البخاري الذي أورده المؤلف رحمه الله فالصحيح أنه لا يجب بل هو سنة يعني الأفضل أن يتوضأ حتى ولو كنت على وضوء إذا أكلت شيئا مطبوخا على النار فالأفضل أن نتوضأ لكنه ليس بواجب لأن آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار يعني عدم الالتزام به ويدل لهذا أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل نتوضأ من لحوم الإبل قال : نعم ؟ قال : نتوضأ من لحوم الغنم قال : إن شئت لأن لحم الإبل إذا أكله الإنسان انتقض وضوءه لو كان على وضوء فلابد أن نتوضأ ولكن ما يجب غسل الفرج لأنه ما بال ولا تغوط إنما يجب الوضوء سواء كان اللحم نيئا أو مطبوخا وسواء أكلت الهبر أو الكبد أو القلب أو الكرش أو الأمعاء أي شيء تأكله من البشكراااافإنه يجب عليك أن تتوضأ لأنه كله ناقض للوضوء أما غيره فإذا أكلته مطبوخا فالأفضل أن تتوضأ ولا يجب عليك ذلك هذه من الآداب والحقيقة أن هذا الكتاب رياض الصالحين كتاب جامع نافع ويصدق عليه أنه رياض الصالحين ففيه من كل زوج بهيج فيه أشياء كثيرة من مسائل العلم ومسائل الآداب لا تكاد تجدها في غيره