قالت
صحيفة "الفننشال تايمز" في تعريفها للأستاذ الجامعي بيتر نولان إنه "يعرف
عن الشركات الصينية وسبل منافستها في العالم أكثر من أي شخص آخر في العالم،
حتى في الصين نفسها". ويكرّس بيتر نولان كتابه الأخير أيضاً للصين،
وتوسعها الاقتصادي في العالم في كتاب يحمل عنوانه السؤال التالي: "هل تشتري
الصين العالم"؟
الملاحظة الأولى
التي يؤكدها المؤلف هي أن الصين تمثل اليوم القوة الاقتصادية الثانية في
العالم، بعد الولايات المتحدة الأميركية، وأنها تحتل مكانة "المصدّر
الأكبر" بين جميع بلدانه. وتمتلك الصين الاحتياطيات المالية العالمية
الأكبر، كما لديها 29 شركة من بين الشركات الخمسمائة الأكبر في العالم حسب
تصنيف مراكز البحث المختصة.
ما يعرفه الجميع هو أن "الازدهار
الهائل" الذي تشهده الصين منذ عقود قليلة آثار الكثير من النقاشات في مختلف
وسائل الإعلام العالمية التي كثيراً ما ترددت فيها مقولة إن الصين تستخدم
مواردها المالية الكبيرة من أجل "شراء العالم". ويسأل بيتر نولان: "هل هذه
الفكرة حقيقية؟ وهل هناك ما يدعو الغربيين للقلق من الدور الصيني في
الاقتصاد العالمي اليوم؟
الخطوة الأولى التي يقوم فيها المؤلف
محاولاً الإجابة على مثل هذه التساؤلات تكمن في مناقشة الخطاب السائد في
وسائل الإعلام الغربية، والذي يتم التأكيد فيه، بصور مختلفة، أن الصين
تشتري العالم. ويشرح أنه منذ سنوات السبعينات المنصرمة أدت الثورة في أنماط
التعامل العالمي مع ثورة المعلوماتية والاتصالات إلى تمركز صناعي لا سابق
له في التاريخ الإنساني كله.
وزادت الشركات العملاقة المتعددة
الجنسيات المزوّدة بالتكنولوجيات المتقدمة من استثماراتها في البلدان
النامية بما في ذلك الصين آنذاك، بل وخاصة في الصين. كانت تلك الشركات
العملاقة تنتج ثلثي الإنتاج الصيني من التكنولوجيات المتقدمة وأكثر من ربع
صادراتها من تلك التكنولوجيات، كما كان حضور الشركات الصينية متواضعاً جداً
في البلدان ذات الدخل المرتفع.
وهذا ما يعبّر عنه المؤلف بالقول:
لقد كنّا، ويقصد الغربيين، تعمل "في داخلهم" ولكنهم لم يكونوا عندها "في
داخلنا". لكن النمو الصيني اعتمد بشكل أساسي على السوق الداخلي المزدهر.
وكذلك على "حماية الحكومة" لـ70 شركة وطنية كبرى، خاصة في قطاعات الخدمات
المصرفية والمعادن والمناجم والبترول والكهرباء والبناء والنقل والاتصالات.
أما الواقع الحالي فيبيّن أن مساهمة الصين تمثل 26% من الديون الخارجية
للولايات المتحدة الأميركية بينما تمتلك بريطانيا واليابان نسبة أكبر من
أميركا في ميدان الديون الخارجية الصينية. هنا يؤكد المؤلف على فكرة مفادها
أن هناك خلافاً كبيراً بين نظرة الصينيين ونظرة الغربيين إلى الزمن. هكذا
مثلاً يعتبر الصينيون أن مفهوم "المدى الزمني القصير" يعني 100 عام بينما
ينظر أغلب السياسيين الغربيين إلى ساعتهم كل دقيقة، وذلك في منظور موعد
الانتخابات المقبلة.
وفارق آخر يؤكد عليه المؤلف بين الصين
والبلدان المتقدمة الأخرى اليوم، وهو أن الصين تراهن على كل تفاصيل
التكنولوجيا تقريباً وعلى التعمق في المعارف من أجل الذهاب دائماً نحو
الأمام. إن الصين تراهن على المستقبل وتقيم استراتيجياتها على مدى عقود
عديدة قادمة. لكنها لا تمتلك واقعياً قدرة شراء العالم اليوم؟ فهل ستنجح في
ذلك مستقبلاً؟ رغم مستقبلها الاقتصادي الذي يبدو واعداً فإن تلويثها
للبيئة، وشيخوخة سكانها تدفع في الاتجاه المعاكس. وهذه هي رسالة مؤلف
الكتاب.