قال سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ''حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنُوها قبل أن تُوزَنُوا، فإنّ أهْوَنَ عليكُم في الحِساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزيّنُوا للعرض الأكبر، يومئذ تُعرضون لا تخفى منكم خافية''.
هل سبق لكَ أن حاسبتَ نفسك يومًا على سلوك يُغضب الله؟ وهل حاولتَ يومًا أن تحصي سيّئاتك؟ وهل تذكّرتَ يومًا ذنوبك، فحاولتَ أن تُكفِّر عنها...؟ قال الله سبحانه وتعالى: {وأنِيبُوا إلى ربِّكم وأسلِمُوا له مِن قبل أن يأتيكُم العذابُ ثمّ لا تُنْصَرون}.
إنّ موضوع محاسبة النّفس أمرٌ ضروريٌ يعود بالنّفع على صاحبه في الدّنيا والآخرة، وهكذا كان هدي السّلف الأبرار والسّابقين الأخيار، فهذا الحسن البصري يقول: ''إنّ العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همّته''.
وهذا نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم يحثّ على محاسبة النّفس فيقول ''الكيِّس مَن دان نفسه، وعمل لمَا بعد الموت، والعاجز مَن أتبع نفسه هواها، وتمنَّى على الله'' رواه البيهقي والترمذي وابن ماجه.
وقد ذكّر الصّحابة الكرام بمُحاسبة النّفس، ودعوا إلى التأهّب للعرض الأكبر، فهذا عمر الفاروق رضي الله عنه يقول: ''حاسبُوا أنفُسَكُم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أنفُسَكم قبل أن تُوزَنوا، وتأهّبُوا للعرض الأكبر على مَن لا تخفى عليه أعمالكم''، مذكّرًا بقول الله عزّ وجل: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} الحاقة: 18، أي تُعرضون على عالم السِّرّ والنّجوى، الّذي لا يخفى عليه شيء من أموركم بل هو عالم بالظّواهر والسّرائر والضّمائر.
وكتب سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى بعض عماله: ''حاسِب نفسك في الرَّخاء قبل حساب الشّدَّة، فإنّ مَن حاسب نفسه في الرّخاء قبل حساب الشّدّة عاد أمرُه إلى الرِّضا والغبطة، ومَن ألهته حياته، وشغله أهواؤه عاد أمرُه إلى النّدامة والخسارة''.
وقال ميمون بن مهران: ''لا يكون العبد تقيًّا حتّى يكون لنفسه أشدّ مُحاسبة من الشّريك لشريكه''، ولهذا قيل: النّفس كالشّريك الخوان، إن لم تُحاسبه ذَهَب بمالك.
وذكر الإمام أحمد عن وهب قال: مكتوب في حكمة آل داود: ''حقٌّ على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يُناجي فيها ربّه، وساعة يُحاسِب فيها نفسه، وساعة يخْلُو فيها مع إخوانه الّذين يخبرونه بعيوبه ويصدّقونه عن نفسه، وساعة يُخْلِي فيها بين نفسه وبين لذّاتها فيما يحلّ ويجمل، فإنّ في هذه السّاعة عونًا على تلك السّاعات، وإجمامًا للقلوب''.
ولمحاسبة النّفس فوائد مهمّة، منها: الاطلاع على عيوب النّفس، فإذا اطّلع على عيبها مقتها في ذات الله تعالى. ومعرفة حقّ الله تعالى، ومَن لم يعرف حقّ الله تعالى عليه فإنّ عبادته لا تكاد تُجدي، وهي قليلة المنفعة.
وممّا يُعين المرء على تلك المحاسبة، معرفته أنّه كلّما اجتهد فيها اليوم استراح منها غدًا إذا صار الحساب إلى غيره، وكلّما أهملها اليوم اشتدّ عليه الحساب غدًا.