فالقوة
مظهر من مظاهر الرجولة الحقة، وهي حال الأنبياء والمرسلين ومن تابعهم
بإحسان إلى يوم الدين، فالثبات على دين الله والصدع بكلمة الحق في مواجهة
الطغاة والطواغيت هو شأنهم، ووجود واحد من هذه العينة القوية خير من بقاء
طوابير طويلة تعطى الكفرة الفجرة ما يطلبونه وما يريدونه ولو بالقول، وهذه
القوة تثمر محبة الله ورضاه، وقد أمر بها - سبحانه وتعالى - في كتابه وعلى
لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - قال - تعالى -: (يَا يَحْيَى خُذِ
الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) [مريم: 12] أي: بجد وحرص واجتهاد، وأمر بها نبي الله
موسى - عليه السلام -، قال تعالى: (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن
كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا
بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ
الْفَاسِقِين) [الأعراف: 145]، وأمر بها بنو إسرائيل: (خُذُواْ مَآ
آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ) [البقرة: 63] قال مجاهد: (بقوة) آي: يعمل ما فيه،
وهى الطاعة والجد أيضاً، وهذا للأسف عكس ما هو واقع في حياتنا وحياة الناس،
وكأننا لم نأخذ درساً، فالأزمات والنكبات وتسلط الأعداء على رقاب البلاد
والعباد يتطلب قوة إيمان وعمق ويقين، وهذا هو المخرج من الفتنة فلا ملجأ
ولا منجا من الله إلا إليه، ولا عاصم من أمر الله إلا من رحم، ولكننا نأبى
إلا أن نكون كالمستجير من الرمضاء بالنار، أو
كالشكراااابالرمضاء يقتله الظمأ *** والماء فوق ظهوره محمول
نزداد عصياناً وتفريطاً في دين الله، ونبدل في مفهوم الولاء والبراء،
ونغير شرع الله في مناهج التعليم والإعلام، وفى حياتنا الخاصة والعامة؛
إرضاءً لأعداء الإسلام والمسلمين، فنزداد بذلك ضعفاً على ضعفنا، ويزدادون
هم طغيانا على طغيانهم، وكأنه لا سبيل عندنا للخروج من الواقع السيئ،
والأخذ بأسباب القوة الحقيقية، وردع الأعداء عن غيهم وضلالهم.
لقد كان المشركون إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين، يقذفون
أصنامهم في البحر، ويقولون: يا رب، والبعض منا تنزل به الشدة فيتعلق قلبه
بالمخلوقين، بل بأعدائه، وكأن الذئاب يطلب منها رعاية الغنم!!!، أيهدونكم
وقد أضلهم الله، أيكرموكم وقد أذلهم الله (هَاأَنتُمْ أُوْلاء
تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُم) [آل عمران: 119]، إن القوة لا تطلب من
الخلق فكلهم ضعيف حتى وإن كان مسلماً، فكيف ننشدها من أعدائنا وقد بدت
البغضاء من أفواههم وما تخفى صدروهم أكبر، لقد كان بنو إسرائيل مستضعفين في
الأرض، وكان فرعون يدَّعي الربوبية والألوهية، ويذبح أبنائهم، ويستحي
نساءهم، ويستخدمهم في أعمال السحرة فما أمروا بخنوع أو باستمراء المذلة
والمهانة، أو بتكريس الواقع السيئ المؤلم، أو بتغيير المفاهيم الإيمانية،
أو بتحليل الحرام وتحريم الحلال كما يطالب البعض ويفعل آخرون.
وإنما قيل لهم: (خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ)، إن القوة الحقيقية
تحدث عندما نصل الأرض بالسماء، والدنيا بالآخرة، وتتعلق القلوب بالقوى
المتين، فقوة الله فوق كل شيء (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ)
[هود: 66] وقال - تعالى -: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ
اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40]، وقال - تعالى -: (كَتَبَ اللَّهُ
لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة:
21]، وقد أمرنا - سبحانه - بإعداد العدة والأخذ بأسباب القوة كائنة ما كانت
معنوية كانت أو مادية، فقال - جل وعلا -: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا
اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ
عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُم) [الأنفال: 60] وفى الحديث: ((ألا إن القوة
الرمي)) رواه مسلم، وأعظم صور القوة قوة الإيمان واليقين، وعن أبي هريرة
-رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ((المؤمن القوي خير
وأحب من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، أحرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا
تعجز…)) الحديث رواه مسلم.
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلما يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه:
((اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما
تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا
بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على
من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل
الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا)) رواه
الترمذي وحسنه الألباني.
قد يتسلط الكفار على ديار المسلمين فتجد البعض يرجف ويخذل ويهول من قوة
الأعداء ويهون من شأن المسلمين، وهذا من ضعف الإيمان وتلاعب الشيطان بهؤلاء
(إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ
تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران: 175]، و
لهؤلاء يقال: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ
مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُم) [النساء: 83]،
وقد تنعكس الموازين ونصبح كالأسد الهصور في التعامل مع الصالحين، وكالنعامة
في مواجهة الأعداء الكافرين قال - تعالى -: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ
وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ)
[الفتح: 29] قال ابن عباس -رضي الله عنهما- كان أهل الحديبية أشداء على
الكفار –أي: غلاظ عليهم كالأسد على فريسته-، وهذه صفة المؤمنين أن يكون
أحدهم شديداً عنيفاً على الكفار، ورحيماً باراً بالأخيار، عبوساً غضوباً في
وجه الكافر، ضحوكاً بشوشاً في وجه أخيه المؤمن كما قال ابن كثير، وكان
النبي - صلى الله عليه وسلم - يصبر على الأذى فيما يتعلق بحق نفسه، وأما
إذا كان لله - تعالى - فإنه يمتثل فيه أمر الله من الشدة، وهذه الشدة مع
الكفار والمنتهكين لحدود الله خير رادع لهم، وفيها تحقيق للأمن والأمان،
ومن نظر في السنن والسيرة وطالع قصص الأنبياء والمرسلين لوجد أن القوة في
الأخذ بدين الله، وفي مواجهة الكافرين، والدعوة إلى الله رب العالمين؛ سمة
واضحة في حياتهم، فهذا نبي الله نوح دعا قومه ليلاً ونهاراً، وسراً
وعلانية، قيل كان يدخل لهم في بيوتهم لدعوتهم، أدماه قومه، وكان يغمى عليه
فإذا أفاق قال لهم: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، واستمر يدعو ألف سنة
إلا خمسين عاماً، وفى النهاية ما آمن معه إلا قليل، فهل فتر أو ضعف أو ترك
الدعوة؟ كلا، وأمر بصنع السفينة فصنعها على اليابسة، وكان يعلم أن الله
مجريها ومرساها، وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه (قال إِن تَسْخَرُواْ
مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) [هود: 38].
وهذا نبي الله إبراهيم يكسر الأصنام، ويدعو أباه، ويواجه قومه، ويناظر
النمرود الذي امتلك الدنيا، ويسكن هاجر وولده إسماعيل هذا المكان القفر،
ويهم بذبح ولده نزولا ًعلى أمر الله، ويرتحل هنا وهناك، ويقول: (إني ذاهب
إلى ربي سيهدين) مجاهداً في سبيل الله حق جهاده، غير هياب ولا وجل من قوة
أرضية مادية، (إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفا ولم يكن من المشركين *
شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم).
وهذا نبي الله موسى يواجه فرعون الذي ادعى الربوبية والألوهية مع الله،
ويناظر السحرة، قيل: كانوا سبعون ألف ساحر، واضطر للخروج إلى مدين، وهناك
كانت قصته مع شعيب وابنتيه، وهو القوي في دين الله هنا وهناك، فخروجه من
مصر خائفا يترقب قد تمهدت أسبابه؛ فلم يكن جبناً مذموماً، وقد بدت عليه
ملامح القوة الحقيقية وهو يوقع حاجته بالله ويقول: رب (وَنَجِّنِي مِنَ
الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [التحريم: 11]، ويقول: (رَبِّ إِنِّي لِمَا
أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص: 24] فإظهار الضعف والفقر
لله قوة يحسها البشر، ولذلك قالت الفتاة لأبيها: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ
إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [القصص:26]، ظهرت
قوته في دعوته لبني إسرائيل والصبر عليهم، ودعوتهم للثبات على دين الله
(اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن
يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف: 128]،
وتعظيمه لشعائر الله من صور قوته، ظهر ذلك في إلقاء الألواح، وأخذه برأس
أخيه يجره إليه.
وفى قوله: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه: 84]، وفى دعائه:
(هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ
نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِير ًإِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا)
[طه: 30-35].
ومن طالع سيرة سيد الأولين والآخرين صلوات الله وسلامه عليه؛ وجد القوة
الإيمانية في تمامها وكمالها، فدعوته لقومه وصبره على أذاهم في شخصه الكريم
وفى أصحابه الغر الميامين بلسان حال ينطق ((لو وضعوا الشمس في يميني
والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك
دونه))، عرضوا عليه العروض السخية لترك دعوته فما لانت قناته، وتآمروا عليه
لقتله فأنجاه الله منهم (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ
لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ
اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين) [الأنفال: 30]، اضطر للهجرة من أحب
بلاد الله إلى الله، ومن أحب بلاد الله لنفسه الشريفة، وما تخلف عن جهاد في
سبيل الله في مكة أو المدينة، وقد جمعت له القوة المادية إلى القوة
الإيمانية فكان يثبت إذا اشتد البأس أو حمى الوطيس، وكان الشجاع من أصحابه
من يحتمي به، ويوم حنين عندما انكشف المسلمون وقف - صلى الله عليه وسلم -
يقول: ((أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب))، حتى التف أصحابه حوله،
وصارع ركانه وكان من مشاهير العرب بالقوة فصرعه النبي - صلى الله عليه وسلم
- ثلاث مرات، وكان يتعبد في غار حراء الليالي ذوات العدد، وتزوده أم
المؤمنين السيدة خديجة لمثلها، وذلك قبل البعثة فمن منا يطيق مثل ذلك!.
ولو نظرنا في أحوال الصالحين؛ لوجدنا المتابعة الصادقة، وأخذ الأمر بكل
قوة دون تغيير وتبديل، لقد شاهد صاحب يس مصرع المرسلين، ورغم ذلك أتى من
أقصى المدينة يسعى يجدد الدعوة (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا
مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ) [يس:20-21] ألم يكن
يتخوف على نفسه الهلاك، ولماذا لم يحسب حساباً لبيته وأسرته؟ لقد فوض الأمر
لله، وعلم أن الله لا يضيع أولياءه، الذين يستقيمون على شريعته في عسرهم
ويسرهم، ومنشطهم ومكرههم، فلما أخذوه وقتلوه نصحهم ميتاً كما نصحهم حياً
وقال: (يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي
وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) [يس: 27]، وهانوا هم على ربهم (وَمَا
أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا
كُنَّا مُنزِلِينَ * إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون * يَا حَسْرَةً
عَلَى الْعِبَادِ) [يس: 28-30]، إن قوة الإيمان وعمق اليقين كان السبب
وراء موقف أصحاب الكهف، ومؤمن آل فرعون، وعبد الله الغلام، وأصحاب
الأخدود...، وبماذا نفسر موقف سمية وزوجها ياسر وابنها عمار والكل يؤذى في
سبيل الله، ورغم ذلك ما نرى إلا الثبات على طاعة الله، وكان المشركون يضعون
بلال في حر الظهيرة، وعلى ظهره كتل الصخر وهو يردد أحدٌ أحدٌ، وكانت أم
تميم تسخن كتل الحديد حتى تحمر ثم تضعها على رأسه حتى يتلوى من الألم.
إن طابور المعذبين في الأرض طابور طويل، منهم من سجن، ومنهم من قتل أو
طرد، ومنهم من كان يؤتى بالمنشار فيوضع فوق رأسه ما يصرفه ذلك عن دينه
أبداً، ومنهم من كان يمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه ما يصرفه ذلك عن
دينه أبدا، وقد أوذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما أوذي أحد، فما
ضعفوا وما استكانوا بل قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، فيا قومنا أجيبوا
داعي الله وآمنوا، واحذروا من الإيمان ببعض الكتاب والكفر بالبعض الآخر،
فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة تردون
إلى أشد العذاب (وَمَا ربك بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [النمل: 93]
الحذر كل الحذر من خصال المنافقين الذين يعبدون الله على حرف الرخاء والسعة
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ
خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى
وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ
الْمُبِينُ) [الحج:11]، (الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين
أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا) غدا ينكشف الغطاء، ويتبين لمن
كانت بضاعته النفاق إن ما حصله كان سراباً يحسبه الظمآن ماء (حتى إذا جاءه
لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب) [يونس: 15] لا
براءة لكم ولا عذر في تغيير دين الله، وتبديل شرع الله (قل ما يكون لي أن
أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي)، لا تتذرعوا برخصه، ولا
استكراه في غير موضعه، فالحياة هينة، والجنة سلعة غالية "تموت الحرة ولا
تأكل بثديها" إلا أن موته في طاعة الله خير من حياة في معصيته، واعلموا أن
هلكة أعدائكم في افتخارهم بقوتهم (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي
الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ
قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) [فصلت 15]، قد تضعف أبداننا
ولا تضعف معاني الإيمان واليقين في قلوبنا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يا عباد الله، فاثبتوا، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، وإن تتولوا يستبدل
قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم، فمن تولى فلن يضر إلا نفسه، ولن يضر
الله شيئا، والإسلام قادم بحول الله وقوته، وله الغلبة على الأديان كلها،
فامتثلوا بقول ربكم (خذوا ما آتيناكم بقوة) ففي ذلك فلاحكم وسعادتكم في
العاجل والآجل، فإن أبيتم ذلك (فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله
إن الله بصير بالعباد).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين