قصة ولادة الامام الباقر (ع)
اسمه محمد ، وكنيته أبوجعفر لاغير ولقبه باقرالعلم .
امه فاطمه ام عبد الله بنت الحسن عليه السلام ويقال : ام عبده بنت الحسن بن
علي عليهما السلام ولد بالمدينة يوم الثلاثا وقيل : يوم الجمعة غرة رجب ،
وقيل : الثالث من صفر ، سنة سبع وخمسين من الهجرة .
وقبض بها في ذي الحجة ، ويقال : في شهر ربيع الآخر ، سنة أربع عشرة ومائة ،
وله يومئذ سبع وخمسون سنة ، مثل عمر أبيه وجده .
وأقام مع جده الحسين ثلاث سنين أو أربع سنين ، ومع أبيه علي أربعا وثلاثين
سنة وعشرة أشهر ، أو تسعا وثلاثين سنة ، وبعد أبيه تسع عشرة سنة ، وقيل :
ثمانية عشرة ، وذلك أيام إمامته .
وكان في سني إمامته ملك الوليد بن يزيد ، وسليمان ، وعمر بن عبد العزيز
ويزيد بن عبد الملك ، وهشام أخوه ، والوليد بن يزيد ، وإبراهيم أخوه ، وفي
أول ملك إبراهيم قبض ، وقال أبوجعفر ابن بابويه : سمه إبراهيم بن الوليد بن
يزيد وقبره ببقيع الغرقد .
روي عن أبي جعفرعليه السلام قال : كانت امي قاعدة عند جدار ، فتصدع الجدار ،
وسمعنا هدة شديدة فقالت بيدها : لا وحق المصطفى ما أذن الله لك في السقوط ،
فبقى معلقا حتى جازته ، فتصدق عنها أبي بمائة دينار وذكرها الصادق عليه
السلام يوما فقال : كانت صديقة لم يدرك في آل محاسن مثلها .
عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن جابر بن عبد الله كان آخر من بقي من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وكان رجلا منقطعا إلينا أهل البيت فكان
يقعد في مسجد الرسول معتجرا بعمامة ، وكان يقول : يا باقر يا باقر ، فكان
أهل المدينة يقولون : جابر يهجر ، فكان يقول : لا والله لا أهجر ولكني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إنك ستدرك رجلا مني اسمه اسمي
وشمائله شمائلي
يبقر العلم بقرا فذلك الذي دعاني إلى ما أقول ، قال : فبينما جابر ذات يوم
يتردد في بعض طرق المدينة إذ مر محمد بن علي عليهما السلام فلما نظر إليه
قال : يا غلام أقبل فأقبل فقال : أدبر فأدبر ، فقال : شمائل رسول الله صلى
الله عليه وآله والذي نفس جابر بيده ما اسمك يا غلام ؟ قال محمد بن علي بن
الحسين بن على بن أبيطالب فقبل رأسه ثم قال : بأبي أنت وامي ، أبوك رسول
الله يقرئك السلام فقال : وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله السلام فرجع
محمد إلى أبيه وهو ذعر فأخبره بالخبر فقال : يا بني قد فعلها جابر ؟ قال :
نعم ، قال : يا بني الزم بيتك ، فكان جابر يأتيه طرفي النهار فكان أهل
المدينة يقولون : واعجبا لجابر يأتي هذا الغلام طرفي النهار ، وهو آخر من
بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يلبث أن مضى علي بن الحسين ،
فكان محمد بن علي يأتيه على الكرامة لصحبته لرسول الله صلى الله عليه وآله
قال : فجلس الباقر يحدثهم عن الله فقال أهل المدينة : ما رأينا أحدا قط
أجرأ من ذا ، فلما رأى ما يقولون حدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال أهل المدينة : ما رأينا قط أحدا أكذب من هذا يحدث عمن لم يره ، فلما
رأى ما يقولون حدثهم عن جابر بن عبد الله فصدقوه ، وكان والله جابر يأ تيه
فيتعلم منه
عن الصادق عليه السلام قال : حج هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين ،
وكان قد حج في تلك السنة محمد بن علي الباقر وابنه جعفر بن محمد عليهم
السلام فقال جعفر بن محمد عليهما السلام : الحمد لله الذي بعث محمدا بالحق
نبيا وأكرمنا به فنحن صفوة الله على خلقه وخيرته من عباده وخلفاؤه ،
فالسعيد من ابتعنا و الشقي من عادنا وخالفنا .
ثم قال : فأخبر مسلمة أخاه بما سمع فلم يعرض لنا حتى انصرف إلى دمشق
وانصرفنا إلى المدينة ، فأنفذ بريدا إلى عامل المدينة بإشخاص أبي وإشخاصي
معه فأشخصنا ، فلما وردنا مدينة دمشق حجبنا ثلاثا ، ثم أذن لنا في اليوم
الرابع فدخلنا ، وإذا قد قعد على سرير الملك ، وجنده وخاصته وقوف على
أرجلهم سماطان متسلحان ، وقد نصب البرجاس حذاة وأشياخ قومه يرمون ، فلما
دخلنا وأبي أمامي وأنا خلفه ، فنادى أبي وقال : يا محمد ارم مع أشياخ قومك
الغرض ، فقال له : إني قد كبرت عن الرمي فهل رأيت أن تعفيني ، فقال : وحق
من أعزنا بدينه ونبيه محد صلى الله عليه وآله لا أفيك ، ثم أو مأ إلى شيخ
من بني امية أن أعطه قوسك فتناول أبي عند ذلك قوس الشيخ ثم تناول منه سهما ،
فوضعه في كبد القوس ، ثم
انتزع ورمى وسط الغرض فنصبه فيه ، ثم رمى فيه الثانية فشق فواق سهمه إلى
نصله ثم تابع الرمي حتى شق تسعة أسهم بعضها في جوف بعض ، وهشام يضطرب في
مجلسه فلم يتمالك إلا أن قال : أجدت يا أبا جعفر وأنت أرمى العرب والعجم ،
هلا زعمت أنك كبرت عن الرمي ، ثم أدركته ندامة على ما قال .
وكان هشام لم يكن كنى أحدا قبل أبي ولا بعده في خلافته ، فهم به وأطرق إلى
الارض إطراقة يتروى فيها وأنا وأبي واقف حذاه مواجهين له ، فلما طال وقوفنا
غضب أبي فهم به ، وكان أبي عليه السلام إذا غضب نظر إلى السماء نظر غضبان
يرى الناظر الغضب في وجهه ، فلما نظر هشام إلى ذلك من أبي ، قال له : إلي
يا محمد ! فصعد أبي إلى السرير ، وأنا أتبعه ، فلما دنا من هشام ، قام إليه
واعتنقه وأقعده عن يمينه ، ثم اعتنقني وأقعدني عن يمين أبي ، ثم أقبل على
أبي بوجهه ، فقال له : يا محمد لاتزال العرب والعجم تسودها قريش مادام فيهم
مثلك ، لله درك ، من علمك هذا الرمي ؟ وفي كم تعلمته ؟ فقال أبي : قد علمت
أن أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيام حداثني ثم تركته ، فلما أراد أمير
المؤمنين مني ذلك عدت فيه ، فقال له : ما رأيت مثل هذا الرمي قط مذ عقلت
وما ظننت ، أن في الارض أحدا يرمي مثل هذا الرمي ، أيرمي جعفر مثل رميك ؟
فقال : إنا نحن نتوارث الكمال والتمام اللذين أنزلهما الله على نبيه صلى
الله عليه وآله في قوله : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي
ورضيت لكم الاسلام دينا ) والارض لاتخلو ممن يكمل هذه الامور التي يقصر
غيرنا عنها .
قال : فلما سمع ذلك من أبي انقلبت عينه اليمنى فاحولت واحمر وجهه ، وكان
ذلك علامة غضبه إذا غضب ، ثم أطرق هنيئة ثم رفع رأسه ، فقال لابي : ألسنا
بنو عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد ؟ فقال أبي : نحن كذلك ولكن الله جل ثناؤه
اختصنا من مكنون سره وخالص علمه بما لم يخص أحدا به غيرنا فقال : أليس الله
جل ثناؤه بعث محمد صلى الله عليه وآله من شجرة عبد مناف إلى الناس كافة
أبيضها وأسودها وأحمرها من أين ورثتم ما ليس لغيركم ؟ ورسول الله صلى الله
عليه وآله مبعوث إلى الناس كافة وذلك قول الله تبارك وتعالى ( ولله ميراث
السموات والارض ) إلى آخر الآية فمن أين ورثتم هذا العلم وليس بعد محمد نبي
ولا أنتم أنبياء ؟ فقال : من قوله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وآله (
لاتحرك به لسانك لتعجل به ) الذي لم يحرك به لسانه لغيرنا أمره الله أن
يخصنا به من دون غيرنا فلذلك كان ناجى أخاه عليا من دون أصحابه فأنزل الله
بذلك قرآنا في قوله ( وتعيها اذن واعية ) فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله لاصحابه : سألت الله أن يجعلها اذنك يا علي ، فلذلك قال علي بن أبي
طالب صلوات الله عليه بالكفوة : علمني رسول الله صلى الله عليه وآله ألف
باب من العلم ففتح كل باب ألف باب ، خصه رسول الله صلى الله عليه وآله من
مكنون سره بما يخص أميرالمؤمنين أكرم الخلق عليه ، فكما خص الله نبيه صلى
الله عليه وآله خص نبيه صلى الله عليه وآله أخاه عليا من مكنون سره بما لم
يخص به أحدا من قومه ، حتى صار إلينا فتوارثنا من دون أهلنا .
فقال هشام بن عبدالملك : إن عليا كان يدعي علمى الغيب والله لم يطلع على
غيبه أحدا ، فمن أين ادعى ذلك ؟ فقال أبي : إن الله جل ذكره أنزل على نبيه
صلى الله عليه وآله كتابا بين فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة في قوله
تعالى ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين )
وفي قوله : ( وكل شئ أحصيناه في إمام مبين ) وفي قوله : ( ما فرطنا في
الكتاب من شئ ) ) وأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وآله أن لا يبقي في
غيبه وسره ومكنون علمه شيئا إلا يناجي به عليا ، فأمره أن يؤلف القرآن من
بعده ويتولى غسله وتكفينه وتحنيطه
من دون قومه ، وقال لاصحابه : حرام على أصحابي وأهلي أن ينظروا إلى عورتي
غير أخي علي ، فإنه مني وأنا منه ، له مالي وعليه ما علي ، وهو قاضي ديني
ومنجز وعدي .
ثم قال لاصحابه : علي بن أبي طالب يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على
تنزيله ، ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وتمامه إلا عند علي عليه
السلام ، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله لاصحابه : أقضاكم علي أي
هو قاضيكم وقال عمر بن الخطاب : لو لا علي لهلك عمر ، يشهد له عمر ويجحده
غيره .
فأطرق هشام طويلا ثم رفع رأسه فقال : سل حاجتك ، فقال : خلفت عيالي وأهلي
مستوحشين لخروجي فقال : قد آنس الله وحشتهم برجوعك إليهم ولاتقم ، سر من
يومك ، فاعتنقه أبي ودعا له وفعلت أنا كفعل أبي ، ثم نهض ونهضت معه وخرجنا
إلى بابه ، إذا ميدان ببابه وفي آخر الميدان اناس قعود عدد كثير ، قال أبي :
من هؤلاء ؟ فقال الحباب هؤلاء القسيسون والرهبان وهذا عالم لهم يقعد إليهم
في كل سنة يوما واحدا يستفتونه فيفتيهم ، فلف أبي عند ذلك رأسه بفاضل
ردائه وفعلت أنا مثل فعل أبي ، فأقبل نحوهم حتى قعد نحوهم وقعدت وراء أبي ،
ورفع ذلك الخبر إلى هشام ، فأمر بعض غلمانه أن يحضر الموضع فينظر ما يصنع
أبي ، فأقبل وأقبل عداد من المسلمين فأحاطوا بنا ، وأقبل عالم النصارى وقد
شد حاجبيه بحريرة صفراء حتى توسطنا ، فقام إليه جميع القسيسين والرهبان
مسلمين عليه ، فجاؤا به إلى صدر المجلس فقعد فيه ، وأحاط به وأصحابه وأبي
وأنا بينهم ، فأدار نظره ثم قال : لابي : أمنا أم من هذه الامة المرحومة ؟
فقال أبي : بل من هذه الامة المرحومة
فقال : من أيهم أنت من علمائها أم من جهالها ؟ فقال له أبي : لست من جهالها
فاضطرب اضطرابا شديدا .
ثم قال له : أسألك ؟ فقال له أبي : سل ، فقال : من أين ادعيتم أن أهل الجنة
يطعمون ويشربون ولا يحدثون ولا يبولون ؟ وما الدليل فيما تدعونه من شاهد
لا يجهل ؟ فقال له أبي : دليل ما ندعي من شاهد لا يجهل الجنين في بطن امه
يطعم ولا يحدث ، قال : فاضطرب النصراني
اضطرابا شديدا ، ثم قال : هلا زعمت أنك لست من علمائها ؟ فقال له أبي : ولا
من جهالها ، وأصحاب هشام يسمعون ذلك .
فقال لابي : أسألك عن مسألة اخرى فقال له أبي : سل .
فقال : من أين ادعيتم أن فاكهة الجنة أبدا غضة طرية موجودة غير معدومة عند
جميع أهل الجنة ؟ وما الدليل عليه من شاهد لايجهل ؟ ، فقال له أبي : دليل
ما ندعي أن ترابنا أبدا يكون غضا طريا موجودا غير معدوم عند جميع أهل
الدنيا لاينقطع ، فاضطرب اضطرابا شديدا ، ثم قال : هلا زعمت أنك لست من
علمائها ؟ فقال له أبي : ولا من جهالها .
فقال له : أسألك عن مسألة ؟ فقال : سل ، فقال : أخبرني عن ساعة لامن ساعات
الليل ولا من ساعات النهار .
فقال له أبي : هي الساعة التي بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس يهدأ فيها
المبتلى ، ويرقد فيها الساهر ، ويفيق المغمى عليه ، جعلها الله في الدنيا
رغبة للراغبين وفي الآخرة للعالمين لها دليلا واضحا وحجة بالغة على
الجاحدين المتكبرين التاركين لها .
قال : فصاح النصراني صيحة ثم قال : بقيت مسألة واحدة والله لاسألك عن مسألة
لاتهدي إلى الجواب عنها أبدا .
قال له أبي : سل فانك حانث في يمينك .
فقال : أخبرني عن مولودين ولدا في يوم واحد وماتا في يوم واحد عمر أحدهما
خمسون سنة وعمر الآخر مائة وخمسون سنة في دار الدنيا .
فقال له أبي : ذلك عزيز وعزيرة ولدا في يوم واحد ، فلما بلغا مبلغ الرجال
خمسة وعشرين عام ، مر عزيز على حماره راكبا على قرية بأنطاكية وهي خاوية
على عروشها ( قال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها ) وقد كان اصطفاه وهداه
فلما قال ذلك القول غضب الله عليه فأماته الله مائة عام سخطا عليه بما قال :
ثم بعثه
على حماره بعينه وطعامه وشرابه وعاد إلى داره ، وعزيرة أخوه لا يعرفه
فاستضافه فأضافه ، وبعث إليه ولد عزيرة وولد ولده وقد شاخوا وعزير شاب في
سن خمس وعشرين سنة ، فلم يزل عزير يذكر أخاه وولده وقد شاخوا وهم يذكرون ما
يذكرهم ويقولون : ما أعلمك بأمر قد مضت عليه النسون والشهور ، ويقول له
عزيرة وهو شيخ كبير ابن مائة وخمسة وعشرين سنة : ما رأيت شابا في سن خمسة
وعشرين سنة أعلم بما كان بيني وبين أخي عزيز أيام شبابي منك ! فمن أهل
السماء أنت ؟ أم من أهل الارض ؟ فقال : يا عزيرة أنا عزير سخط الله علي
بقول قلته بعد أن اصطفاني وهداني فأماتني مائة سنة ثم بعثني لتزدادوا بذلك
يقينا إن الله على كل شئ قدير ، وها هو هذا حماري وطعامي وشرابي الذي خرجت
به من عندكم أعاده الله تعالى كما كان ، فعندها أيقنوا فأعاشه الله بينهم
خمسة وعشرين سنة ، ثم قبضه الله وأخاه في يوم واحد .
فنهض عالم النصارى عند ذلك قائما وقاموا النصارى على أرجلهم فقال لهم
عالمهم : جئتموني بأعلم مني وأقعدتموه معكم حتى هتكني وفضحني وأعلم
المسلمين بأن لهم من أحاط بعلومنا وعنده ما ليس عندنا ، لا والله لا كلمتكم
من رأسي كلمة واحدة ، ولا قعدت لكم إن عشت سنة ، فتفرقوا وأبى قاعد مكانه
وأنا معه ، ورفع ذلك الخبر إلى هشام .
فلما تفرق الناس نهض أبي وانصرف إلى المنزل الذي كنا فيه ، فوافانا رسول
هشام بالجائزة وأمرنا أن ننصرف إلى المدينة من ساعتنا ولا نجلس ، لان الناس
ماجوا وخاضوا فيما دار بين أبي وبين عالم النصارى ، فركبنا دوابنا منصرفين
وقد سبقنا بريد من عند هشام إلى عامل مدين على طريقنا إلى المدينة أن ابني
أبي تراب الساحرين : محمد بن علي وجعفر بن محمد الكذابين بل هو الكذاب
لعنه الله فيما يظهران من الاسلام وردا علي ولما صرفتهما إلى المدينة مالا
إلى القسيسين والرهبان من كفار النصارى وأظهر الهما دينهما ومرقا من
الاسلام إلى الكفردين النصارى وتقربا إليهم بالنصرانية ، فكرهت أن انكل
بهما لقرابتهما ، فإذا قرأت كتابي
هذا فناد في الناس : برئت الذمة ممن يشاريهما أو يبايعهما أو يصافحهما أو
يسلم عليهما فإنهما قد ارتدا عن الاسلام ، ورأى أميرالمؤمنين أن يقتلهما
ودوابهما وغلمانهما ومن معهما شر قتلة ، قال : فورد البريد إلى مدينة مدين .
فلما شارفنا مدينة مدين قدم أبي غلمانه ليرتادوا لنا منزلا ويشروا لدوابنا
علفا ، ولنا طعاما ، فلما قرب غلماننا من باب المدينة أغلقوا الباب في
وجوهنا وشتمونا وذكروا علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فقالوا : لا نزول
لكم عندنا ولا شراء ولا بيع يا كفار يا مشركين يا مرتدين يا كذابين يا شر
الخلائق أجمعين فوقف غلماننا على الباب حتى انتهينا إليهم فكلمهم أبي ولين
لهم القول وقال لهم اتقوالله ولا تغلظوا فلسنا كما بلغكم ولانحن كما تقولون
فأسمعونا ، فقال لهم : فهبنا كما تقولون افتحوا لنا الباب وشارونا
وبايعونا كما تشارون وتبايعون اليهود والنصارى والمجوس ، فقالوا : أنتم شر
من اليهود والنصارى والمجوس لان هؤلاء يؤدون الجزية وأنتم ما تؤدون ، فقال
لهم أبي : فافتحوا لنا ألباب وأنزلونا وخذوا منا الجزية كما تأخذون منهم ،
فقالوا : لا نفتح ولاكرامة لكم حتى تموتوا على ظهور دوابكم جياعا نياعا أو
تموت دوابكم تحتكم ، فوعظهم أبي فازدادوا عتوا ونشوزا قال : فثنى أبي رجله
عن سرجه ثم قال لي : مكانك يا جعفر لاتبرح ، ثم صعد الجبل المطل على مدينة
مدين وأهل مدين ينظرون إليه ما يصنع ، فلما صار في أعلاه استقبل بوجهه
المدينة وجسده ، ثم وضع إصبعيه في اذنيه ثم نادى بأعلا صوته ( وإلى مدين
أخاهم شعيبا ) إلى قوله ( بقية الله خيرلكم إن كنتم مؤمنين ) نحن والله
بقية الله في أرضه ، فأمر الله ريحا سوداء مظلمة فهبت واحتملت صوت أبي
فطرحته في أسماع الرجال والصبيان والنساء ، فما بقي أحد من الرجال والنساء
والصبيان إلا صعد السطوح ، وأبي مشرف عليهم ، وصعد فيمن صعد شيخ من أهل
مدين كبير السن ، فنظر إلى أبي على الجبل ، فنادى بأعلا صوته : اتقوا الله
يا أهل مدين فإنه قد وقف الموقف الذي وقف فيه شعيب عليه السلام حين دعا على
قومه ، فإن
أنتم لم تفتحوا له الباب ولم تنزلوه جاءكم من الله العذاب فإني أخاف عليكم
وقد أعذر من أنذر ، ففزعوا وفتحوا الباب وأنزلونا ، وكثيب بجميع ذلك إلى
هشام فارتحلنا في اليوم الثاني ، فكتب هشام إلى عامل مدين يأمره بأن يأخذ
الشيخ فيقتله رحمة الله عليه وصلواته ، وكتب إلى عامل مدينة الرسول أن
يحتال في سم أبي في طعام أو شراب ، فمضى هشام ولم يتهيأ له في أبي من ذلك
شي ء .