لقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين أنه قال: (سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا، تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا؛ فَلْيَعُذْ بِهِ).
ورواه مسلم بلفظ: (تَكُونُ فِتْنَةٌ النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْيَقْظَانِ، وَالْيَقْظَانُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا؛ فَلْيَسْتَعِذْ).
وروى أبو داود وأحمد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: كُونُوا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُمْ)، أي: الزموا بيوتكم، والحلس هو الكساء الذي يلي ظهر البشكرااااتحت القتب، شبّهها به للزومها ودوامها.
والناس في الفتن أنواع بحسب ما جعل الله لهم من العلم والتقى، فمنهم:
- المبعِد بنفسه، النائي عنها، لا يشارك فيها بقول ولا بسيف؛ لأنها فتنة.
- ومنهم المشترك فيها، الواقع فيها، ثم هؤلاء المشتركون أنواع، ليسوا على حال واحد من الاشتراك.
ومن أنواع الاشتراك في الفتنة:
* أن كثيرًا منهم يثيرها بلسانه، وهذا جلي بالذات في وسائل الإعلام التي صارت تحرّض على الفتن كثيرًا، وتتسبّب فيها، وتحرص على نوع من التحليلات وعلى نوعية من الضيوف معينين يهيجون الناس، ويثيرون بعضهم على بعض، وهمتهم وغرضهم أن يعمّ هذا الأمر جميع البلاد، وأن لا يبقى موضع إلا وقد دخلته.
* الاشتراك بالفعل والمباشرة والسعي الحثيث، الذي بيَّن عليه -الصَّلاة والسَّلام- أنَّ النَّاس فيه على تلك المراتب، لهذا حَقَّ على كثيرين من النَّاس قول النَّبي –صلَّى الله عليه وسلَّم- في الفتنة: ((مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ))، فتطلّعوا لها واشتركوا فيها، فوقعوا فيها، ويلقون الله مفتونين -نسأل الله العافية-.
* ومن أخطر أنواع الاشتراك في الفتنة على الإطلاق: أن يشترك أحدٌ من أهل العلم في تهييج النَّاس وتحريضهم، وإصدار فتوى تشوِّش النَّاس على بعضهم، وتحرِّضهم على سفك الدماء، وتحرِّضهم على التدمير؛ لأنَّ النَّاس إذا رأوا هذا المُقتدَى به يفتيهم؛ فإنهم يكونون على حال من الاطمئنان الشديد بأنَّ ماهُم فيه ما هو إلاَّ نوعٌ من أنواع الجهاد، وأنهم يتقربون إلى الله بهذا الذي هم فيه مفتونون، ولهذا جاء في الحديث أنَّ"مَن أفتى بفتوى على غير بصيرة فالإثم على من أفتى".
للشيخ: عبد الله بن عبد العزيز العنقري -حفظه الله-
أستاذ العقيدة المساعد بجامعة الملك سعود بالرياض